إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا شريك له في ألوهيته ولا ربوبيته فهو الإله الحق وهو رب كل شيء ولا شريك له في أسماءه وصفاته ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وأشهد أن محمد عبده ورسوله عبد لا يعبد ورسول لا يكذب صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد
فأسمعوا إلى قول الله عز وجل : (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً) الإرادة هنا بمعنى المحبة فالله عز وجل يحب أن يتوب على عباده يحب أن يتوب عليهم إذا وفقهم للتوبة إليه فمن تاب إلى الله من أي ذنب كان تاب الله عليه لأن الله يقول : (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) إن الله يريد أن يتوب عليكم وذلك بأن تتوبوا إليه من معصيته إلى طاعته ولكن الذين يتبعون الشهوات يحبون أن تميلوا عن دين الله ميلاً عظيما كل ما أبعدتم عن دين الله كان ذلك أحب إلى الذين يتبعون الشهوات والذين يتبعون الشهوات هم الذين ذكرهم الله في قوله : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَات) أيها المسلمون وإذا كان الله يريد أن يتوب عليكم فهو أيضاً يحب أن يخفف عنكم فقد خفف عنكم الواجبات وخفف عنكم السيئات أما الواجبات فقد الله عز وجل : ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر) وتأملوا فرائض الله تجدوها خفيفة في ذاتها ثم إذا طرأ على الإنسان عارض من مرض أو سفر أو غيرهما خفف عنه من هذه الواجبات بحسب ما تقتضيه حكمة الله ورحمته ولقد قرر الله هذه القضية العامة وذلك لأن الإنسان مخلوق من ضعف كما قال الله عز وجل : ( وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً) فكل إنسان فهو ضعيف في نشأته خلق الله تعالى من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين هو ضعيف في علمه : ( وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) هو ضعيف في تصوره وإدراكه فقد يتصور القريب بعيد والبعيد قريبا والضار نافعاً والنافع ضارا ولا يدرك النتائج التي تنتج عن تصرفاته وأعماله : (َّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً) ومن أجل هذه الإرادة الإلهية إرادة التوبة على عباد الله وإرادة التخفيف عنهم ومن أجل هذا الضعف في الإنسان أرسل الله الرسل وأنزل معهم الكتب والميزان ليقيموا الناس بالقسط فيسيروا على صراط الله وتثبت شرائع الله بين الناس فلا يحتاجون إلى تشريعات من عند أنفسهم يسلكون بها مسالك المتاهات في الظلم والجور والنزاع والخلاف لقد جاءت شرائع الله عز وجل منظمة للناس ليس في عباداتهم ولكن في العبادات والآداب والأخلاق والمعاملات وكان أكمل تلك الشرائع وكان أكمل تلك الشرائع وأشملها وأرعاها لمصالح العباد في كل زمان ومكان هذه الشريعة التي ختم الله بها الشرائع إنها شريعة الإسلام التي ختمت بها الشرائع الإسلامية فلا شريعة للخلق بعد الشريعة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم إن هذه الشريعة شريعة للخلق كافة إنها منهج حياة شامل إلى يوم القيامة إنها تنظم للناس العبادات والمعاملات والآداب والأخلاق أيها المسلمون هذا التنظيم أين يوجد إنه يوجد في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي كتب علماء هذه الأمة الذين استنبطوا الأحكام من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولقد خلفوا من بعدهم خلوف عموا أو تعاموا عن الحق فزعموا أن هذه الشريعة إنما تنظم للناس العبادات والأخلاق دون جانب المعاملة وتنظيم الحياة فأتبعوا أهوائهم في معاملاتهم واتبعوا القوانين التي وضعها شياطين الخلق ليضلوا بها الناس عن شريعة الله اتبعوا قوانين وضعية وضعها الإنسان استرح يا أخي أجلس وضعوا قوانين شريعة ابتدعها الإنسان من عند نفسه مع قصوره في فهمه وقصوره في تصوره ومع ذلك فمهما أوتي هذا المقنن من ذكاء فإنما يقنن ما يراه صالحاً لطائفة معينة تحيط به وفي زمان معين لا ينتشر إلى مكان آخر ولا إلى زمان آخر ولكن المغرمين بالغرب المولعين بما عندهم اغتروا فضلوا عن سبيل الله واتبعوا هذه القوانين الشيطانية الطاغوتيه ولقد قال الله عز وجل : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) إننا نقول لهؤلاء الذين عموا أو تعاموا عن الحق وظنوا أن الشريعة الإسلامية إنما تنظم العبادات التي تكون بين الإنسان وبين ربه إننا نقول لهم أيها السفهاء أيها الجهال ألم تعلموا أن في الشريعة الإسلامية نصوصاً كثيرة وافية في تنظيم المعاملات والآداب والأخلاق وفي القرآن حتى آداب المجالس حتى آداب دخول البيوت : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ )(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا ) وفي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ما يربو على المئات في مثل هذه الأمور التي هي آداب وأخلاق ومعاملات لقد قال رجل لسلمان الفارسي رضي الله عنه علمكم نبيكم كل شي حتى الخراءة أي حتى آداب جلوس الإنسان على الخراءة فقال له سلمان رضي الله عنه أجل يعني علمنا كل شي وقال أبو ذر رضي الله عنه لقد توفي رسول الله صلى عليه وآله وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علما وإني أقول لهؤلاء السفهاء الذين ظنوا أن الشريعة الإسلامية مقصورة على العبادات أقول لهؤلاء السفهاء وهؤلاء الجهال ألم يعلموا أن أطول آية في كتاب الله كانت في المعاملة بين الناس في بيعهم وشراءهم الحاضر والمؤجل وبيان وسائل حفظ ذلك من كتابة وإشهاد ورهن وأقرءوها إن شئتم في آخر سورة البقرة : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ) إلى آخر الآية والآية التي بعدها أفليس هذا أكبر دليل على أن الشريعة الإسلامية تنظيم للحياة كلها تنظيم للعبادة تنظيم للأخلاق تنظيم للمعاملات ففي العبادات أمر ونهي وفي الأخلاق أمر نهي وفي المعاملات أمر نهي وفي العبادات ترغيب وترهيب ووعد ووعيد وفي الآداب والأخلاق والمعاملات كذلك ترغيب وترهيب ووعد ووعيد : (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) أيها المسلمون أيها المؤمنون بالله إن على المؤمن أن يسير في عبادة الله على الحدود الشرعية من غير تجاوز ولا تقصير وعليه كذلك أن يسير في المعاملات على الحدود الشرعية في البيع والشراء والتأجير والاستئجار والارهان والارتهان والبذل والعطاء والبذل والأخذ وغير ذلك لأن الكل شريعة الله فالإنسان مسئول عن معاملته كما هو مسئول عن عبادته يقول الله عز وجل : (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَظْلِمُونَ) أيها المسلمون أتقو الله واجملوا في طلب المال سيروا في طلب المال على هدي الله لا على أهوائكم ولا على قوانين أعداء الله : (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم وإن الله يعطي الدين من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الدين إلا من يحب فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه ولا والذي نفسي بيده لا يسلم عبد حتى يسلم قلبه ولسانه ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه قالوا وما بوائقه يا نبي الله قال غشمه وظلمه ولا يكسب مال من حرام فينفق منه فيبارك له فيه ولا يكسب عبد مال من حرام فينفق منه فيبارك له فيه ولا يتصدق به فيقبل منه ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار إن الله لا يمحو السيئة بالسيئ ولكن يمحو السيئ بالحسن إن الخبيث لا يمحو الخبيث أيها الناس إن في هذا الحديث لعبرة لمن كان له قلب إنه يدل بوضوح على أن كثرة الدنيا وتنعيم العبد بها ليس علامة على أن الله يحب العبد فإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب وهاهم الكفار يتمتعون بما يتنعمون به من الدنيا وهم أعدا الله وموضع سخطه وبغضه ولكن العلامة على محبة الله للعبد هو استقامة الإنسان على دين الله بحيث يلتزم بدين الله في معاملاته وعباداته وآدابه وأخلاقه فإذا رأيت الرجل ذا دين فإن الله يحبه لأن الله لا يعطي الدين إلا من يحب : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) أيها الأخوة المسلمون إن هذا الحديث يدل بوضوح على أن من كسب مالاً على وجه محرم فهو خاسر مهما ربح لأنه إما أن ينفق هذا المال في حاجته الدنيوية وإما أن يتصدق به لطلب ثواب الآخرة وإما أن يبقى بعده لا ينفقه ولا يتصدق به وقد بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم حكم هذه الثلاثة فقال أنه إذا أنفقه لم يبارك له فيه وإن تصدق به لم يقبل وإن بقي بعده كان زاده إلى النار هذه أيها الناس نتائج من أكتسب المال بطريق محرم أضف إلى هذه النتائج ما يحدثه هذا الكسب من الطمع وانحراف القلب في طلب المال وأستمع إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم الثابت في الصحيحين يقول عليه الصلاة والسلام إن أكثر ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من بركات الأرض قيل وما بركات الأرض قال زهرة الدنيا ثم قال صلى الله عليه وسلم إن هذا المال خضرة حلوه من أخذه بحقه ووضعه في حقه فنعم المعونة هو و إن أخذه بغير حقه أو قال ولو لم يأخذه بحقه كان كالذي يأكل ولا يشبع ويكون عليه شهيداً يوم القيامة فإن قيل ما معنى قوله أخذه بحقه قلنا معنى ذلك أن يكتسبه بطريق حلال وأخذ المال بغير حقه أن يكتسبه بطريق غير حلال أيها المسلمون إن الغنى غنى إن الغنى غنى النفس والقلب وليس الغنى بكثرة المال وكم من إنسان كثير المال ولكن قلبه يحترق على المال وكم من إنسان قليل المال ولكن قلبه قد أغناه الله تعالى بالقناعة أيها المسلمون لقد صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبرهنت الوقائع على صدقه فإن الناس يشاهدون من يكتسب المال بالطريق المحرم قد ملأ صدره الطمع وأحرق نفسه الشح أيديهم مملوءة من المال وقلوبهم خالية منه إن الناس يشاهدون من يأكل الربا ولكنه لا يقلع عنه ولا يفتر في طلبه ولو سمع ما سمع من المواعظ إن الشيطان يلقي في قلبه التأويلات الباردة التي توقعه في نار جهنم وهو لا يشعر إن الناس يشاهدون من يتحيل على أكل الربا وقد زين له سوء عمله فرآه حسنا ومع ذلك لا يرعوي هذا المتحيل ولا ينتهي عن ما هو عليه من مخادعة الله عز وجل والمؤمنين إن الناس يشاهدون من هو كذاب في السلعة أو كذاب في ثمنها يقول هذه السلعة طيبة أو يكتم ما فيها من عيب ويقول إنها بكذا وكذا من الثمن وهو في ذلك كاذب ولكنه لا يزال على ما هو عليه إن الناس يشاهدون من يعامل بالغش والتغرير والتمويه على الناس ولا يزال مستمر في عمله إن الناس يشاهدون من يأخذ الرشوة على أعماله الملزم بها من قبل الوظيفة فيتوانى بالقيام بعمله حتى يضطر الناس إلى بذل الرشوة له يشاهدونه مشقوف بهذا العمل ومنهمك فيه فيكون مسيء إلى الدولة مسيء إلى عباد الله مسيء إلى نفسه آكل للمال بالباطل يأتي بما أخذ يوم القيامة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر أن هدايا العمال غلول فكيف بمن يمتنع من إجراء المعاملات إلا برشوة نسأل الله السلامة من طريق هؤلاء إن الناس يشاهدون من يربح من وراء المناجشات في المساهمات العقارية في الأراضي أو غيرها لا يتورعون عن الكسب بهذه الطريقه المحرمه وما أكثر هذه المعاملات المحرمة فنسأل الله تعالى أن يعصمنا وإخواننا مما يغضبه وأن يرزقنا جميعاً التوبة إليه حتى نكون من عباد الله الصالحين أيها المسلمون اتقوا الله تعالى وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون وسارعوا إلى مغفرة من ربك وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين اللهم إنا نسألك أن تجعلنا جميعاً من أهل هذه الدار الساكنين في دار القرار المتلذذين برؤية الملك الجبار يا ذي الجلال والإكرام وصلى الله وسلم علي نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
مقتبس من
مكتبة الخطب : 2-أصول الدين : 3-كمال الإسلام ....الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
إن النهضة التي حققتها الامة الاسلامية في عصورها الزاهية كانت في كل المستويات ,العلمية والشعبية والحكمومية والعسكرية ,وكانت حركة الامة تعبيرا صادقا لمفهوم العبودية الشامل أما في العصور المتأخرة فقد إنحصر مفهوم العبادة عند كثير من المسلمين إلا من رحم ربي فاصبح مفهوم العبادة محصورا في الشعائر التعبدية التي أصبحت تؤدى كعادة موروثة ليس لها من أثر في حياة ممارسيها (اللهم إلا ما تستغرق من زمن لأدائها)وتم عزل العبادة عن بقية الاسلام حتى كأن الاسلام منحصر فيها دون بقية الاجزاء كأحكام المعاملات أو العلاقات المالية ,ومع ان أكثر الناس إن لم نقل كلهم يعلمون ان الاسلام ليس هو العبادات المفروضة فحسب إلا إنهم أهملوا الجوانب الاخرى وغضوا النظر عنها وأنزلوا مرتبتها ,ودعا فريق من المرشدين الى الاعراض عما سوى هذه العبادات فالجهاد وإنكار المنكر ورد الطغيان والاستعمار ومقاومة الظلم والعمل في جميع ما ينفع المسلمين من الامور العامة ,كل ذلك اصبح في نظر هذا الفريق من الناس يعتبر فضول يشغل عن الله وعبادته ,وبينما كانت مقاييس الصلاح و التقوى في الاسلام شاملة لجميع الواجبات التي اوجبها الاسلام من عبادات خاصة وجهاد وعلم وعدل و.......أصبحت تلك المقاييس محصورة في في العبادات . وهكذا فإن إنحصار مغهوم العبادة أدى الى عزل العبادة عن بقية أجزاء النظام الاسلامي الشامل على ضعف الوعي السياسي والاجتماعي والاخلاقي.
إن ما حل بالمسلمين من هزائم عسكرية وأزمات إقتصادية وإنحرافات خلقية ومصائب إجتماعية وتلوثات فكرية وجفاف روحي وتأخر حضاري كان من أسبابه إفراغ الاسلام من محتواه الاصيل وضياع مفهوم العبادة الشامل
فيوم كانت "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة"عبادة لم يجرؤ أحد على إحتلال اراضي المسلمين واستلاب خيراتهم
ويوم كانت "طلب العلم فريضة" ,عبادة لم يكن هناك تخلف علمي بل كانت الامة المسلمة هي أمة العلم التي علمت اوروبا في مدارسها وجامعاتها
ويوم كانت "فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه"عبادة ,كانت المجتمعات الاسلامية أغنى مجتمعات الارض
ويوم كانت "كلكم مسئول عن رعيته" ,عبادة وكان ولي الامر يستشعر انه راع ومسئول عن رعيته ,لم يكن للفقراء في المجتمع الاسلامي قضية ,لان العلاج الرباني لمشكلة الفقر كان يطبق في المجتمع الاسلامي عبادة لله
ويوم كانت "وعاشروهن بالمعروف",عبادة لم تكن للمرأة المسلمة قضية ,لان كل الحقوق والضمانات التي أمر الله بها كانت تؤدى إليها طاعة لله وعبادة لله
إن الانحراف عن مفهوم العبادة الشامل من أسباب إفساح المجال للمعتقدات والافكار الغربية لتتغلغل في الدول الاسلامية وكان هذا من أهم اسباب إنهيار الخلافة وتفرق المسلمين
فهيا لنعمل جميعا بمفهوم العبادة الشامل